لماذا تبالغ بعض الفتيات في زينتهن، خاصة فى الموعد الأول؟
في كثير من اللحظات الأولى، خصوصًا أول موعد مع شاب، تظهر بعض الفتيات بمظهر زينة مبالغ فيه: كعب عالٍ، مكياج صارخ، ملابس لافتة، عطر ثقيل.فتتساءل الأم، أو الأخت، أو حتى الفتاة نفسها: “لماذا فعلت هذا؟ هل هذا أنا فعلًا؟”قد يبدو الأمر سطحيًا من الخارج، لكنه من الداخل أعمق بكثير مما نظن..

التزيّن المفرط… حين يتحوّل المشاعر المكبوتة إلى عطر ومكياج
في أول موعد، تتجمّلين كثيرًا. تهتمين بالتفاصيل. تراقبين نفسك في كل خطوة.لكن لحظة… هل هذا لأنكِ فرِحة؟ أم لأنكِ تخفين شيئًا أعمق؟هل نُحب؟ أم نحاول فقط أن نُعجب؟دعينا نقترب قليلًا من الداخل، حيث تختبئ مشاعر كثيرة… باسم: الكبت
الكبت النفسي ليس مجرد قمع، بل آلية دفاع لا واعية يستخدمها العقل لحمايتكِ من ألم المشاعر التي لم تستطيعي التعبير عنها:كالرفض، الوحدة، الرغبة في الحب، الحنين، أو حتى الجاذبية الجسدية.وعندما لا تجد هذه المشاعر طريقًا صحيًا للخروج، تتسلل بذكاء إلى تصرفاتنا الظاهرية… ومنها التزيّن المفرط. نحن لا نتزيّن فقط لنُرى، بل أحيانًا لنعوّض ما لم يُرَ فينا أبدًا
علميًا، كيف يحدث ذلك؟
- إزاحة المشاعر المكبوتة إلى الجسدبدلًا من قول: “أنا أحتاج أن يُحبني أحد”،نقول بلا وعي: “سأجعل نفسي جذّابة حتى يحبني أحد”
- .2. تعويض النقص الداخلي بمظهر خارجي قويالمبالغة في الزينة أحيانًا تعني:”أنا خائفة من أن لا أكون كافية… فدعيني أُبالغ لأبدو كافية”
- .3. تحويل الرغبة المكبوتة إلى لغة مقبولة اجتماعيًافبدلًا من أن نقول: “أنا أريد أن أُلمس شعوريًا”،نحاول أن نُلمَس بصريًا فقط.
دراسة نُشرت في Journal of Cosmetic Science أوضحت أن النساء اللواتي يعانين من قلق نفسي أو مشاعر مكبوتة غالبًا ما يستخدمن المكياج كوسيلة لـ”التمويه” بدل “الإبراز”.

الزينة والسطحية: عندما تختزل العلاقة في الانطباع الأول
من الزاوية التربوية، ما يحدث هنا له جذور أعمق بكثير
كيف تربّينا؟
- تربّينا على أن “الشكل هو مفتاح القَبول”.
- أن الأنثى يجب أن “تجذب” لا أن “تطلب”.
- أن “العلاقة الجيدة تبدأ بالإعجاب”، لا بالحديث أو الصدق أو المعرفة.
- وبالتالي، صرنا نربط بين الحب والمظهر، وبين الجاذبية والاستحقاق
النتيجة؟
نبدأ العلاقة بـ مظهر مثالي لا يشبه حقيقتنا.نُقيّم الآخر كما يُقيّمنا: بناءً على انطباع سريع، لا معرفة عميقة.نخاف أن نُظهر ضعفنا، فنُجمّله… فيبدو كل شيء جميلًا، لكنه هش.وهذه المشكلة ظهرت فى شكل ساخر على مواقع التواصل الأجتماعى فى شكل كوميكس” لماذا هى أجمل بعد الأنفصال وقبل الأرتباط و قبيحة بعد الأرتباط بها.”
حين يُصبح وجهكِ الحقيقي عيبًا… لا خيارًا
تخيّلي فتاة قررت أن تخرج من بيتها دون مكياج. فقط وجهها كما هو. لا كريم أساس، لا رموش طويلة، لا “فلتر بصري”.في المقابل، ما الذي تواجهه؟ نظرات دهشة، تعليقات مثل:> “شكلك تعبانة…فيه حاجة مضايقاكى؟إنتِ أحلى لما بتحطي شوية ميكاب
نفسيًا
هذا النوع من التفاعل اليومي يُسهم في برمجة عقل الفتاة على أن شكلها الطبيعي غير مقبول، بل ربما “مريض”، أو “غير مُكتمل”.فتنشأ بداخلها علاقة مرتبكة مع وجهها، مع بشرتها، مع مرآتها…وتدخل في صراع صامت: “هل أنا جميلة فعلاً؟ أم فقط حين أُخفي وجهي الحقيقي؟”هذا ما يسميه علماء النفس بـ تشويه صورة الذات الذاتية Body Image Distortion،حيث تبدأ المرأة برؤية وجهها الطبيعي كعيب يحتاج إلى تعديل دائم.وفي أحيان كثيرة، يكون ذلك نتيجة ضغط اجتماعي مزمن، لا قلة ثقة حقيقية

ما هو تشويه صورة الجسم؟
تشويه صورة الجسم هو حالة نفسية يشعر فيها الشخص بأنه يرى جسده بشكل مختلف عن الواقع، وغالبًا ما تكون الصورة المشوهة سلبية. بمعنى آخر، يرى نفسه غير جذاب أو مشوه أو ناقص حتى لو كان مظهره طبيعي أو حتى جميل.هذا التشويه قد يكون جزءًا من اضطرابات نفسية مثل:اضطراب تشوه الجسم Body Dysmorphic Disorder (BDD).اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي.
العلاقة بين تشويه صورة الجسم والتزين المبالغ فيه
- . زيادة القلق تجاه المظهر الخارجي:مع التشويه في صورة الجسم، يزداد القلق من أن الآخرين سيحكمون عليه بسبب مظهره، لذلك يحاول التزين المبالغ فيه لخلق انطباع أفضل أو لجذب الانتباه بعيدًا عن “العيوب” التي يظنها.
- محاولة إخفاء العيوب التي يراها الشخص في جسده:الشخص الذي يعاني من تشويه صورة الجسم قد يعتقد أن لديه عيوب كثيرة في مظهره، فيلجأ إلى التزين المفرط (مثل المكياج الكثيف، الملابس الملفتة، الإكسسوارات الكثيرة) كطريقة للتغطية على هذه العيوب أو لتحسين مظهره في عينيه.
- . إشباع الحاجة إلى القبول والتقدير:التزين الزائد قد يكون وسيلة لتحقيق شعور بالقبول الاجتماعي أو لإخفاء الخجل وعدم الثقة بالنفس الناتجة عن تشويه صورة الجسم.
- . دورة مفرغة:أحيانًا التزين المبالغ فيه يزيد من الشعور بعدم الرضا، لأن الشخص لا يعتمد على مظهره الطبيعي، وهذا يزيد من التشويه في صورته الذاتية ويعمق المشكلة
كيف يؤثر التشويه النفسي على حياتنا؟
- يقلل من ثقتنا بالنفس.
- يزيد من القلق والتوتر الاجتماعي.
- قد يؤدي إلى العزلة أو الانطواء.
- يدفعنا إلى الاعتماد على المظاهر بشكل مفرط.
الجاذبية ليست إثارة بصرية فقط
خرافة شائعة: كلما كنتِ أكثر إثارة، كلما أحبكِ أكثر.الحقيقة: الإثارة تلفت… لكن لا تُبني عليها علاقة طويلة.الجاذبية الحقيقية فيها راحة، عفوية، حوار، اتصال حقيقي
عالم يمتلئ بالصور المعدلة والفلاتر والتوقعات غير الواقعية عن الجمال، من السهل أن نقع في فخ الخرافة:“كلما كنتِ أكثر إثارة، كلما زاد حب الآخرين لكِ.”

الفرق بين الإثارة البصرية والجاذبية الحقيقية؟
الإثارة البصرية مؤقتة، تخلق انطباعًا سريعًا، وغالبًا ما ترتبط بالمظهر الخارجي فقط.
أما الجاذبية الحقيقية، فهي تتجاوز الشكل لتصل إلى الروح، إلى طريقة تواصلك، حضورك، طاقتك، صدقك، وراحتك مع نفسك.
الإثارة قد تدهش…لكنها لا تعني بالضرورة وجود رغبة في علاقة عميقة أو احترام متبادل. أما الجاذبية الحقيقية، فهي تخلق شعورًا بالطمأنينة، بالاهتمام الحقيقي، وبالرغبة في القرب والتواصل.
كيف علّمتنا التربية أن نُعجب لا أن نُحَب؟
منذ الطفولة، كانت الرسائل:
- كوني جميلة ليحبكِ الناس.
- لا تُظهري مشاعرك، قد يُقال عنكِ “ضعيفة”.
- احذري أن تطلبي الحب.
كل هذا شكّل وعينا العاطفي. فتحوّلت العلاقات إلى ساحة لإثبات الجاذبية، لا لاختبار الأمان والصدق. نظن أننا نبحث عن الحب، لكننا غالبًا نبحث عن الإعجاب فقط.

كيف أعبّر عن نفسي بطريقة صحية؟
لستِ مضطرة أن تبالغي في مظهرك لتشعري أنكِ تستحقين الحب.
- اكتبي مشاعرك في ورقة قبل الموعد. ما الذي تخشينه؟ ما الذي تتمنينه؟
- قلّلي طبقة واحدة من المكياج، وأضيفي طبقة صدق في الحديث..
- لا تخافي أن تقولي: “أنا متوترة”. المشاعر الصادق تقرّب أكثر مما تعتقدين.
- اختاري ملابسك لتعبر عنكِ، لا لتخفيكِ
خرافة الحب المبني على الجمال
في العلاقات، قد تجذبنا المظاهر في البداية، لكن الذي يجعل العلاقة تستمر هو ما يحدث بعد أن تُغلق الإضاءة وتُنسى الملامح البصرية:
- هل يوجد حوار صادق؟
- هل نشعر بالراحة والقبول؟
- هل هناك احترام متبادل للحدود والمشاعر؟
- هل نضحك من قلوبنا، بدون تصنّع؟
- هل يشعر كل طرف بأنه يستطيع أن يكون على طبيعته، دون قناع؟
إذا كانت الإجابة “نعم”، فهذه هي الجاذبية الحقيقية
الجاذبية تنبع من الداخل أنتِ تجذبين الآخرين عندما:تكونين مرتاحة في جلدك.لا تخجلين من عفويتك.تهتمين بنفسك، لكن لا تعاقبينها أو تُخضعينها للمعايير القاسية.تتحدثين بصدق.تعرفين قيمتك دون الحاجة إلى إثباتها طوال الوقت
🔄 كيف نغيّر النظرة السطحية للعلاقات؟
- بالتربية على أن القبول ليس مشروطًا بالمظهر.
- بإعادة تعريف الحب كمشاركة وجدانية، لا مجرد انبهار بصري.
- بفتح مساحة للفتيات للتعبير عن مشاعرهن من سن مبكر.
- بتعليم أبنائنا أن الثقة لا تُقاس بالكحل، بل بالصوت الهادىء المريح.
كيف نتعامل مع صورتنا المشوهة عن أجسادنا؟
- الوعي أولًا: قبول أن هذه المشاعر والتصورات ليست دائمًا دقيقة ولا تعكس الحقيقة.
- التحدث مع مختص نفسي: العلاج النفسي، خاصة العلاج المعرفي السلوكي، يساعد كثيرًا في إعادة بناء صورة الجسم بشكل صحي.
- تعزيز الثقة بالنفس: من خلال الاهتمام بالجوانب الداخلية مثل المهارات والهوايات، وليس فقط المظهر الخارجي.
- التوازن في التزين: التزين وسيلة للتعبير عن الذات، وليس هروبًا من مشاكل داخلية.
دعوة لإعادة التوازن
“جمّلي مظهركِ كما تحبين… لكن لا تنسي أن تزيّني حديثكِ بالصدق، وحضوركِ بالراحة، وروحكِ بالأمان مع ذاتكِ.”فأنتِ لستِ صورة، بل إنسانة.والعلاقات لا تنجح لأنكِ بدوتِ جميلة، بل لأنها رأتكِ حين كنتِ على حقيقتكِ… واحتضنتكِ كما أنتِ.
التزيّن لا يبني علاقة… النضج يفعل العلاقات التي تبدأ بالإبهار المظهري فقط، غالبًا ما تنتهي بخيبة.
- لأن المكياج لا يصنع انسجامًا
- العطر لا يبني ثقة
- الأناقة لا تعني نضجًا ولا عمقًا
- فكم من أنثى بسطاء مظهرًا، كانت عظيمة في قيمتها، حاضرة في روحها، نادرة في عاطفتها .
كلمة أخيرة من عدسة حواء:في الموعد الأول، لا تسألي نفسكِ “هل أعجبه شكلي؟”بل اسألي:هل شعرتُ بالأمان وأنا على طبيعتي؟هل رأيتُ منه احترامًا، لا انبهارًا مؤقتًا؟هل أحبني لأني أنا… أم لأني بدوتُ كما أراد؟لأن الحب الحقيقي لا يرى الزينة… بل يرى ما بعدها.