كيف تناقشى وتعبرى عن رأيك المختلف بدون قلق وبطرق عملية
في حياتنا اليومية، نواجه الكثير من المواقف التي تتطلب منا التفاعل مع الآخرين، سواء كانوا أفراد عائلتنا، زملاءنا في العمل، أو حتى أصدقاءنا. وفي هذه التفاعلات، لا بد من وجود اختلافات في الآراء. ولكن هل يعتبر الخلاف دائمًا أمرًا سلبيًا؟ أم أن هناك فرصًا يمكن أن تبرز من وراء هذه الاختلافات؟اجتمعت أربع فتيات في جلسة دردشة، وبدأت سمر الحديث بثقة قائلة:
“الصراحة أنا مش فاهمة البنات اللي لسه بيدوروا على حب! خلاص احنا في 2025!”
نظرت لها مي بحدّة وردت: “آه، لأنك معرفتيش حب حقيقي، عشان كده بتقولي كده!”
تدخلت هند ساخرة: “بصراحة اللي لسه بتفكر في شغل بعد الجواز مضيعة وقت… البيت أولى!”
فاشتعلت نرمين بعصبية: “يا سلام! وإنتي مين قال إن كلنا نفس ظروفك؟ مش كلنا حابين نعيش في المطبخ!”ارتفعت الأصوات، وكل واحدة بدأت تقاطع التانية.
قالت سمر: “أنتو عايشين في أفلام رومانسية!”
ردّت مي: “وإنتي عايشة في كتاب تنمية بشرية!”
هند صاحت: “كل واحدة شايفة نفسها النموذج المثالي!”
وأضافت نرمين: “وما حد سامع التانية أصلاً!”في النهاية، عمّ الصمت. كل واحدة فتحت موبايلها ومش طايقة تبص في وش التانية.وكان التعليق الأوضح:”نقاشات البنات: تبدأ برأي، وتنتهي بخلاف… والسبب؟ الكل حابب يكون على حق!”.
وإذا كنتى تفكرين كثيراً قبل التعبير عن فكرة مختلفة أو جديدة سواء فى العمل أو الأسرة أو المدرسة، لأنك تخشين بدء شجار. إذا إنتى تحتاجين أن تقرئي هذا المقال للنهاية
احترام الرأي: من أين يبدأ؟قبل كل شيء، علينا أن نتذكر أن احترام الرأي لا يعني بالضرورة موافقته. بل هو الاحترام الذي نمنحه للآخرين بمجرد سماعهم ومحاولة فهم وجهات نظرهم. في الأسرة، قد نجد أن اختلاف الآراء بين أفراد الأسرة هو أمر طبيعي، ولكن كيف يمكننا التأكد من أن هذه الاختلافات لا تؤدي إلى نزاعات؟ أو كيف نتعامل مع آراء قد تبدو غريبة لنا في بيئة العمل أو المدرسة؟ ببساطة: بالاحترام المتبادل.

إدارة الخلافات بشكل بناء: كيف نجعل من الاختلاف فرصة؟
قد يبدو من الصعب أحيانًا التحكم في المشاعر أثناء الخلافات، ولكن هناك طرقًا يمكننا من خلالها تحويل هذه اللحظات إلى فرص:
١-الاستماع النشط
بدلًا من التفكير في الرد أثناء حديث الآخر، خصصي وقتًا للاستماع الجيد. هذا لا يعني فقط سماع الكلمات، بل فهم المشاعر والمفاهيم وراء هذه الكلمات.مثال:تخيلي أنكِ في محادثة مع صديقتكِ التي تمر بمرحلة صعبة في حياتها الشخصية. قد تشعرين بأنكِ بحاجة إلى تقديم نصيحة أو إيجاد حل سريع لمشكلتها، ولكن الاستماع النشط يتطلب منكِ أن تكوني حاضرة تمامًا في اللحظة.
بدلاً من أن تفكري في ردكِ أو النصيحة التي ستقدميها، خذي لحظة للاستماع بتركيز لما تقوله صديقتكِ. لا تقتصرين على سماع الكلمات فقط، بل انتبهي أيضًا إلى نبرة صوتها، تعبير وجهها، وحتى الصمت بين الكلمات. هل هي حزينة؟ غاضبة؟ هل هناك شيء غير منطوق تشعر به؟
بعد الاستماع الجيد، يمكنكِ أن تُظهري لها أنكِ تفهمين مشاعرها من خلال قول شيء مثل: “أستطيع أن أرى كيف هذا يسبب لكِ الكثير من الضغط، وأنتِ تحتاجين وقتًا لتفهمي ما يحدث.” هذه الكلمات تظهر أنكِ لم تستمعي فقط، بل فهمتِ مشاعرها ووجهة نظرها.
هكذا، بدلاً من أن تصبح المحادثة عن تقديم الحلول السريعة أو الرد السطحي، تتحول إلى فرصة لبناء علاقة أعمق مع صديقتكِ، وتوفير بيئة آمنة لتبادل الأفكار والمشاعر.
٣-التعاطف أولاً
عندما تظهرين تعاطفك مع مشاعر الآخر، يصبح النقاش أقل حدّة وأكثر انفتاحًا. فحتى لو اختلفنا، فإن تعبيرنا عن فهمنا لمشاعر الآخر يمكن أن يقلل من التوتر.مثال: تخيلي أنكِ في محادثة مع زوجكِ بعد يوم طويل من العمل، وتلاحظين أنه يبدو غاضبًا أو متوترًا. بدلًا من أن تقولي مباشرة “لماذا أنت غاضب؟” أو “كنت أتوقع منك أن تكون أكثر هدوءًا”، ابدئي بتعبير عن التعاطف.
مثال على ذلك: يمكنكِ أن تقولي، “أشعر أنك متعب اليوم. يبدو أن اليوم كان صعبًا عليك، هل تود أن تتحدث عن ما حدث؟”
هنا، لم تقومي بمهاجمته أو توجيه اللوم له. بل أظهرتِ اهتمامكِ بمشاعره وحاولتِ فهم ما يمر به. هذا يعطيه شعورًا بالراحة، ويجعل النقاش أكثر انفتاحًا، بدلاً من أن يشعر بالضغط أو الهجوم.
كيف يقلل ذلك من التوتر؟
عندما يُظهر الشخص الآخر تعاطفكِ، يشعر بأنكِ تفهمين مشاعره، ما يجعل التواصل أسهل وأقل حدّة. بدلاً من أن يُشعر بالتحدي أو الهجوم، سيشعر بأنه محط تقدير ورغبتكِ في التفاهم معه أولًا. بعد ذلك، سيكون أكثر استعدادًا للاستماع إلى رأيكِ أو مناقشة الموضوع بدون مشاعر سلبية.
التعاطف هنا لم يكن مجرد كلمات، بل هو سلوك يظهر اهتمامكِ الحقيقي بحالة الشخص الآخر ويجعله يشعر بالراحة.
٣-عدم التسرع في الرد
أحيانًا، كلمة واحدة في وقت غير مناسب يمكن أن تفسد المحادثة بأكملها. تذكري أن الرد الفوري ليس دائمًا الخيار الأفضل. خذي وقتك، وضعي المشاعر جانبًا، ثم عبّري عن رأيك بهدوء.
مثال على عدم التسرع في الرد:
تخيلين أنكِ في محادثة مع أخيكِ، وهو يعبر عن إحباطه من شيء ما، مثل تأجيل مشروع مهم كان يعمل عليه. أثناء حديثه، ربما تقولين لنفسكِ “لكن هذا ليس عذرًا، كان يمكنه إنهاء المشروع في الوقت المحدد!” وتفكرين في الرد مباشرة.
لكن، ماذا لو توقفتِ لحظة؟
بدلاً من الرد الفوري، خذي لحظة للتفكير قبل أن تردي. قد تكونين غاضبة أو تشعرين بأنكِ على حق، لكن التسرع في الرد قد يجعل المحادثة أكثر حدة.
الخطوة الصحيحة:
بعد أن يتحدث، انتظري قليلًا ثم قولي: “أفهم أنكِ تشعر بالإحباط. دعنا نفكر في كيفية تصحيح الوضع معًا.”
كيف يساعد ذلك؟
ببساطة، تأخذين وقتًا لتسمعيه وتفكري بهدوء، بدلاً من الرد بسرعة والانفعال. هذا يتيح لكِ فهم مشاعره بشكل أفضل ويجعل المحادثة أكثر هدوءًا. وبذلك، تتجنبين زيادة التوتر بينكما.
لتنفيذ خطوة “عدم التسرع في الرد” بشكل عملي، يمكنكِ اتباع الخطوات التالية:
1. التوقف عن التحدث فورًا:
عندما يبدأ الشخص الآخر في التحدث ويبدو أنه يثير مشاعر قوية، توقفي عن الرد فورًا. حتى لو كانت لديكِ فكرة أو رد في ذهنكِ، خذي لحظة لالتقاط أنفاسكِ قبل أن تقولي أي شيء.
2. ركزي على الاستماع:
خلال تلك اللحظة التي تنتظرين فيها، تركيزكِ بالكامل على ما يقوله الآخر. ليس فقط الكلمات التي ينطق بها، بل أيضًا نبرة الصوت والإشارات غير اللفظية (مثل تعبيرات الوجه أو لغة الجسد). استمعي لأحاسيسهم ومعاناتهم.
3. التنفس العميق:
أخذ نفس عميق يمكن أن يساعد في تهدئة مشاعركِ والتقليل من التوتر. يساعدكِ هذا على التفكير بهدوء قبل الرد.

٣ـالتركيز على الحلول:
بدلاً من التركيز على من هو على صواب ومن هو على خطأ، حاولي التركيز على إيجاد حلول وسط. يمكن لكل شخص أن يقدم حلاً قد يتناسب مع مصلحة الجميع.
كيف نناقش بموضوعية مع الأسرة، في العمل أو المدرسة؟
في بيئة الأسرة، قد يحدث أن يكون للأب أو الأم آراء مختلفة تمامًا عن الأبناء. وللتعامل مع هذه الاختلافات، يجب علينا
الاستماع دون الحكم المسبق:
من خلال الاستماع الجيد كما ذكرناه سابقاً، يمكن أن نكتشف أن الكثير من الآراء التي قد نعتقد أنها خاطئة، تحمل في طياتها جوانب منطقية قد تساهم في تحسين الوضع.
مثال:
أولًا، عندما تبدأ والدتكِ في شرح وجهة نظرها، لا تقاطعيها أو تحكمي عليها قبل أن تسمعي بالكامل. ربما تشعرين في البداية أن آرائها قديمة أو غير مناسبة، لكن إذا توقفتِ وأصغيتِ إليها بتركيز، قد تكتشفين أن لديها نقاطًا منطقية لم تكن واضحة لكِ في البداية.
مثلاً، إذا قالت لكِ: “أعتقد أنه يجب أن يكون هناك قواعد صارمة للأطفال لكي يتعلموا الانضباط”، بدلاً من الرد سريعًا بـ “لكن هذا غير مناسب في العصر الحالي!”، يمكنكِ أن تظلي هادئة وتستمعي لوجهة نظرها بالكامل.
التعبير عن الذات بلطف:
بدلاً من إخبار الآخرين بأنهم على خطأ، يمكننا استخدام جمل مثل “أرى أن هذا قد يكون مختلفًا عن ما فكرت فيه” أو “من وجهة نظري…”.
مثال:
بعد أن تنتهي من الاستماع، يمكنكِ أن تعبري عن رأيكِ بطريقة محترمة وهادئة، مثلًا بقول: “أرى وجهة نظركِ وأتفهم سبب تأكيدكِ على القواعد، ولكن من وجهة نظري أن منح الأطفال بعض الحرية يساعدهم على التطور بشكل أفضل.”
لا تقولي: “أنتِ دائمًا على خطأ!” بل استخدمي جمل مثل: “هذا ما أفكر فيه…” أو “أنا أعتقد أن…” بحيث تُظهرين أنكِ تحترمين وجهة نظرها ولكنكِ تقدمين فكرتكِ دون أن تكوني هجومية أو دفاعية.
تذكر دائماً أن:
- الاستماع الجيد يساعد على فهم مشاعر وآراء الآخرين.
- التعبير بلطف يُجنبكِ الوقوع في فخ التصعيد، ويُظهر أن الهدف هو النقاش البناء وليس الجدال أو الفوز بالمحادثة.
- الاحترام المتبادل يمكن أن يفتح الأفق لتفاهم أكبر حتى وإن كانت الآراء مختلفة.

أما في بيئة العمل أو المدرسة:
فقد يكون لدينا تعارضات في الآراء المتعلقة بالقرارات أو النهج المتبع. ولكن تذكري دائمًا أن ثقافة النقاش هي السبيل الوحيد لتجنب النزاعات وإيجاد حلول مبتكرة.
مثال:
في العمل، إذا كانت لديكِ فكرة مختلفة عن مديركِ حول كيفية تنفيذ مشروع، يمكن أن تقولي: “أفهم أن وجهة نظركِ تعتمد على خبرتكِ الطويلة في هذا المجال. ولكن من تجربتي، أعتقد أن الطريقة التي أطرحها قد توفر الوقت وتزيد من الكفاءة.”
في المدرسة، إذا كان لديكِ زميل يختلف معكِ في طريقة معالجة مسألة معينة، يمكنكِ أن تعبرين عن رأيكِ بقول: “أتفهم كيف وصلنا إلى هذه النقطة. من وجهة نظري، ربما يكون الحل الأمثل هو…”
بإتباع هذه الخطوات، يمكنكِ إجراء نقاشات أكثر احترامًا وبناءً، سواء في المنزل أو في العمل أو في المدرسة.
وفقًا لمقال نشره موقع Psychology Today بعنوان “How to Argue Better“, تُشير الأبحاث إلى أن الخلافات التي تُدار بعقلانية تُقوّي العلاقات الشخصية، بشرط أن تتضمن الاستماع الفعّال، والتعبير عن المشاعر بدون تهجم، والمرونة في وجهات النظر.
لماذا احترام الرأي الآخر ليس ضعفًا؟
“احترام الرأي الآخر يعني ضعفًا”، هذه خرافة شائعة يتداولها البعض في العديد من المحافل. ولكن الحقيقة أن الاحترام المتبادل هو علامة قوة وليست ضعفًا. فالقوة تكمن في القدرة على الحفاظ على هدوئنا واستماعنا للآخرين، حتى عندما نختلف معهم. العكس تمامًا، يمكن أن يصبح الرأي المتعصب سببًا في تفجير الخلافات، فكلما زاد التمسك بالرأي دون الانفتاح على الآراء الأخرى، كلما تضخم التوتر.

نصائح عملية لتقبل الرأي المختلف:
- المرونة الذهنية: جربي دائمًا أن تكوني منفتحة على أفكار وآراء الآخرين وتفهمى وجهة نظر الأخرين وأسالي وناقشى قبل أن تحكمى بطريقة سلبية على الأمور و تكونى مستعدة دائما لتعديل أخطائك ووجهة نظرك. قد تكتشفين أفكارًا جديدة وغير متوقعة قد تساعد في تطوير وجهة نظرك الشخصية.
- ابتعدي عن الهجوم الشخصي: لا تعتقدي أن الاختلاف في الرأي هو هجوم على شخصك. كثيرًا ما نقوم بخلط بين النقد الشخصي والنقد الموضوعي.
- كوني نموذجًا للتسامح: عندما تظنين أن النقاش بدأ يأخذ منعطفًا سلبيًا، كوني أنت من يوجهه نحو الاحترام والتفاهم. هذا سيساعد الآخرين على فعل الشيء نفسه.
الفرق بين النقد الشخصي والنقد الموضوعي:
- النقد الشخصي: يركز على الشخص ذاته بدلاً من الفكرة أو العمل الذي يتم مناقشته. غالبًا ما يتضمن حكمًا على الشخص ككل أو صفاته الشخصية، مما قد يؤدي إلى مشاعر سلبية أو دفاعية.مثال: “أنتِ دائمًا تتأخرين في إنجاز عملك، أنتِ غير منظمة!”هنا، التركيز على الشخص نفسه بشكل سلبي دون التطرق إلى السبب أو المشكلة الفعلية.
- النقد الموضوعي: يركز على الفكرة أو العمل ذاته وليس على الشخص. يُعطى بطريقة بنّاءة تهدف إلى التحسين، دون أن يكون له طابع شخصي أو هجومي.مثال: “لقد تأخرتِ في تسليم التقرير، ربما يمكننا تحسين إدارة الوقت في المشروع المقبل.”هنا، النقد موجه نحو العمل وليس إلى الشخص ذاته، ويُعبر عن رأي بنّاء يهدف للتحسين.
النقد الشخصي يُهاجم الشخص ذاته، بينما النقد الموضوعي يُقيّم الأداء أو الفكرة بشكل بعيد عن المشاعر الشخصية.

كيف يتحول الخلاف إلى فرصة للتعلم والنمو؟
الخلافات والنقاشات ليست محض مضيعة للوقت، بل هي فرص حقيقية للتعلم والنمو، فيمكننا عند سماع الرأى المخالف أن نتعلم أن أشياء جديدة عند النظر من زاوية جدية للموضوع، ويمكننا رؤية أوجه القصور فى تفكيرنا. عندما نستفيد من آراء الآخرين ونحتفظ بعقلية مفتوحة، فإننا نكتسب مهارات جديدة في الحوار والتواصل. قد تفتح لنا هذه المناقشات أيضًا أبوابًا لفهم أعمق لذاتنا وقراراتنا.
أهمية التواصل الإيجابي
التواصل هو الأداة الأقوى لدينا في بناء علاقات صحية. تذكري دائمًا أن الاحترام المتبادل و ثقافة النقاش هي الأساس الذي يعتمد عليه أي نوع من الحوار. فلا تتركي الخلافات تفرّق بينك وبين الآخرين، بل استثمريها لتطوير نفسك وعلاقاتك.
في “عدسة حواء”، نؤمن أن النقاش لا يُفرّق بيننا، بل يجعلنا نكتشف أنفسنا من جديد.